فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



طرفًا من الكلام المتعلق بسبحان.
والإسراء قيل: هو سير الليل، يقال: سرى وأسرى، كسقى وأسقى لغتان، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله:
حي النضير ربة الخدر ** أسرت إليّ ولم تكن تسري

وقيل هو سير أوّل الليل خاصة، وإذا كان الإسراء لا يكون إلاّ في الليل فلابد للتصريح بذكر الليل بعده من فائدة، فقيل: أراد بقوله: {ليلًا} تقليل مدّة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسافة أربعين ليلة.
ووجه دلالة {ليلًا} على تقليل المدّة ما فيه من التنكير الدالّ على البعضية، بخلاف ما إذا قلت: سريت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعًا.
وقد استدلّ صاحب الكشاف على إفادة ليلًا للبعضية بقراءة عبد الله وحذيفة {من الليل}.
وقال الزجاج: معنى {أسرى بعبده ليلًا} سير عبده، يعني: محمدًا ليلًا، وعلى هذا فيكون معنى أسرى: معنى سير، فيكون للتقيد بالليل فائدة، وقال: {بعبده} ولم يقل: بنبيه أو رسوله، أو بمحمد تشريفًا له صلى الله عليه وسلم.
قال أهل العلم: لو كان غير هذا الاسم أشرف منه، لسماه الله سبحانه به في هذا المقام العظيم، والحالة العلية:
لا تدعني إلا بيا عبدها ** فإنه أشرف أسمائي

ادعاء بأسماء نبزا في قبائلها ** كأن أسماء أضحت بعض أسمائي

{مّنَ المسجد الحرام} قال الحسن وقتادة: يعني المسجد نفسه، وهو ظاهر القرآن.
وقال عامة المفسرين: أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من دار أم هانئ، فحملوا المسجد الحرام على مكة، أو الحرام، لإحاطة كل واحد منهما بالمسجد الحرام، أو لأن الحرم كله مسجد.
ثم ذكر سبحانه الغاية التي أسرى برسوله إليها فقال: {إلى المسجد الاقصى} وهو بيت المقدس.
وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، ولم يكن حينئذٍ وراءه مسجد، ثم وصف المسجد الأقصى بقوله: {الذى بَارَكْنَا حَوْلَهُ} بالثمار والأنهار والأنبياء والصالحين، فقد بارك الله سبحانه حول المسجد الأقصى ببركات الدنيا والآخرة.
وفي {باركنا} بعد قوله: {أسرى} التفات من الغيبة إلى التكلم.
ثم ذكر العلة التي أسرى به لأجلها فقال: {لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا} أي: ما أراه الله سبحانه في تلك الليلة من العجائب التي من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة في جزء من الليل {إنَّهُ} سبحانه: {هُوَ السميع} بكل مسموع، ومن جملة ذلك قول رسوله صلى الله عليه وسلم {البصير} بكل مبصر، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله.
وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده صلى الله عليه وسلم مع روحه، أو بروحه فقط؟ فذهب معظم السلف والخلف إلى الأوّل، وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم عائشة، ومعاوية، والحسن، وابن إسحاق، وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان، وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا: كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح، واستدلوا على هذا التفصيل بقوله: {إلى المسجد الاقصى}، فجعله غاية للإسراء بذاته صلى الله عليه وسلم.
فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء، وقع بذاته لذكره، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس، ثم إلى السموات، ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم القرآني وما يماثله من ألفاظ الأحاديث إلى ما يخالف الحقيقة، ولا مقتضى لذلك إلاّ مجرد الاستبعاد وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شيء، ولو كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط، وأن رؤيا الأنبياء حق لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي صلى الله عليه وسلم عند إخباره لهم بذلك حتى ارتدّ من ارتدّ ممن لم يشرح بالإيمان صدرًا، فإن الإنسان قد يرى في نومه ما هو مستبعد، بل ما هو محال ولا ينكر ذلك أحد؛ وأما التمسك لمن قال بأن هذا الإسراء إنما كان بالروح على سبيل الرؤيا بقوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرءيا التى أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ} [الإسراء: 60]. فعلى تسليم أن المراد بهذه الرؤيا هو هذا الإسراء فالتصريح الواقع هنا بقوله: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} والتصريح في الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأنه أسرى به لا تقصر عن الاستدلال بها على تأويل هذه الرؤيا الواقعة في الآية برؤية العين، فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا، وكيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريح الأحاديث الصحيحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم ركب البراق؟ وكيف يصح وصف الروح بالركوب؟ وهكذا كيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريحه بأنه كان عند أن أسري به بين النائم واليقظان؟
وقد اختلف أيضًا في تاريخ الإسراء، فروي أن ذلك كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة.
وروي أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام.
ووجه ذلك أن خديجة صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ماتت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بثلاث؛ وقيل: بأربع، ولم تفرض الصلاة إلاّ ليلة الإسراء.
وقد استدل بهذا ابن عبد البرّ على ذلك، وقد اختلفت الرواية عن الزهري.
وممن قال بأن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة الزهري في رواية عنه، وكذلك الحربي فإنه قال: أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من ربيع الأوّل قبل الهجرة بسنة.
وقال ابن القاسم في تاريخه: كان الإسراء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرًا.
قال ابن عبد البرّ: لا أعلم أحدًا من أهل السير قال بمثل هذا.
وروي عن الزهري أنه أسري به قبل مبعثه بسبعة أعوام، وروي عنه أنه قال: كان قبل مبعثه بخمس سنين.
وروى يونس عن عروة عن عائشة أنها قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
{وَءاتَيْنَآ مُوسَى الكتاب} أي: التوراة، قيل: والمعنى كرّمنا محمدًا بالمعراج وأكرمنا موسى بالكتاب {وجعلناه} أي: ذلك الكتاب؛ وقيل: موسى {هُدًى لّبَنِى إسراءيل} يهتدون به {أَن لا تَتَّخِذُواْ}.
قرأ أبو عمر بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالفوقية أي: لئلا يتخذوا.
والمعنى: آتيناه الكتاب لهداية بني إسرائيل لئلا يتخذوا {مِن دُونِى وَكِيلًا} قال الفراء: أي كفيلًا بأمورهم، وروي عنه أنه قال: كافيًا؛ وقيل: أي متوكلون عليه في أمورهم، وقيل: شريكًا، ومعنى الوكيل في اللغة من توكل إليه الأمور.
{ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} نصب على الاختصاص أو النداء، ذكرهم سبحانه إنعامه عليهم في ضمن إنجاء آبائهم من الغرق، ويجوز أن يكون المفعول الأوّل لقوله: {أن لا تتخذوا} أي: لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلًا، كقوله: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَابًا} [آل عمران: 80].
وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من فاعل {تتخذوا}، وقرأ مجاهد بفتح الذال، وقرأ زيد بن ثابت بكسرها، والمراد بالذرية هنا: جميع من في الأرض، لأنهم من ذرية من كان في السفينة؛ وقيل: موسى وقومه من بني إسرائيل.
وهذا هو المناسب لقراءة النصب على النداء والنصب على الاختصاص، والرفع على البدل وعلى الخبر، فإنها كلها راجعة إلى بني إسرائيل المذكورين، وأما على جعل النصب على أن {ذرية} هي المفعول الأوّل لقوله: {لا تتخذوا}، فالأولى تفسير الذرية بجميع من في الأرض من بني آدم.
{إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} أي: نوحًا، وصفه الله بكثرة الشكر وجعله كالعلة لما قبله إيذانًا بكون الشكر من أعظم أسباب الخير، ومن أفضل الطاعات حثًا لذريته على شكر الله سبحانه.
وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال: أسري برسول الله إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة.
وأخرج البيهقي عن عروة مثله.
وأخرج البيهقي أيضًا عن السدّي قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مهاجره بستة عشر شهرًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله: {الذى بَارَكْنَا حَوْلَهُ} قال: أنبتنا حوله الشجر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَءاتَيْنَآ مُوسَى الكتاب وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِى إسراءيل} قال: جعله الله هدى يخرجهم من الظلمات إلى النور وجعله رحمة لهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلًا} قال: شريكًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: {ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} قال: هو على النداء.
يا ذرية من حملنا مع نوح.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{ذرية من حملنا مع نوح}، ما كان مع نوح إلاّ أربعة أولاد: حام، وسام، ويافث، وكوش، فذلك أربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق»، واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إسرائيل أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}.
قال ابن كثير: لما ذكر تعالى أنه أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم عطف بذكر موسى عبده ورسوله وكليمه. فإنه تعالى كثيرًا ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد عليهما السلام، وبين ذكر التوراة والقرآن، وقال الرازي: لما ذكر الله تعالى في الآية الأولى إكرامه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن أسرى به، ذكر في هذه الآية أنه أكرم موسى عليه الصلاة والسلام قبله بالكتاب الذي آتاهـ، وقال الشهاب في العناية: عقبت آية الإسراء بهذه؛ استطرادًا، بجامع أن موسى عليه الصلاة والسلام أعطي التوراة بمسيره إلى الطور وهو بمنزلة معراجه؛ لأنه صح ثمة التكليم، وشُرِّف باسم الكليم مدمجًا فيه تفاوت ما بين الكتابين ومن أنزلا عليه، وإن شئت فوازن بين: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} و: {وَآتَيْنَا مُوْسَى} وبين: {هُدًى لِّبَنِي إسرائيل} و: {يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، والواو استئنافية أو عاطفة على جملة {سبحان الذي أسرى} الخ لا على {أسرى} لبعده، وتكلفه، وضمير {وجعلناه} للكتاب أو لموسى و{لبني إسرائيل} متعلق بـ {هدى} أو ب {جعلناه}، وهي تعليلية.
وقوله: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلًا} أي: وليًا ومعبودًا تكلون إليه أموركم؛ لأنه تعالى أنزل على كل نبي أرسله، أن يعبده وحده لا شريك له، وقد قرئ: {أَلّا يتَّخِذُوا} بالياء على الغيبة على حذف لام التعليل، والتقدير: جعلناه هدى لئلا يتخذوا، وقرئ بالتاء على الخطاب، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن (أنْ) بمعنى أي، وهي مفسرة لما تضمنه الكتاب من الأمر والنهي.
الثاني: أن (أن) زائدة، أي: قلنا: لا تتخذوا.
الثالث: أن (لا) زائدة، والتقدير: مخافة أن تتخذوا، والوكيل والموكول إليه. أي: المفوض إليه الأمور، وهو الرب. فـ (فعيل) بمعنى مفعول، و(دون) بمعنى غير، و{من} زائدة. أو تبعيضية، وقوله: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} نصب على الاختصاص أو النداء، وفيه تهييج وتنبيه على المنة، والإنعام عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح في السفينة، وإيماء إلى علة النهي. كأنه قيل: لا تشركوا به، فإنه المنعم عليكم والمنجي لكم من الشدائد، وأنهم ضعفاء محتاجون إلى لطفه، وفي التعبير بالذرية الغالب إطلاقها على الأطفال والنساء، مناسبة تامة لما ذكر، وذكر حملهم في السفينة؛ للإشارة إلى أنه لم يكن لهم حينئذ وكيل يتكلون عليه سواهـ، وقوله: {عَبْدًا شَكُورًا} أي: لمعرفته بنعم الله واستعمالها على الوجه الذي ينبغي، وفيه إيماء بأن إنجاءه ومن معه كان ببركة شكره، وحث للذرية على الإقتداء به، وقيل: إنه استطراد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إسرائيل أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)}
قوله تعالى: {وَآتَيْنَآ}: فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن تُعْطَفَ هذه الجملةُ على الجملةِ السابقة من تنزيهِ الربِّ تبارك وتعالى ولا يَلْزَمُ في عَطْفِ الجملِ مشاركةٌ في خبرٍ ولا غيرِه. الثاني: قال العسكري: إنه معطوف على {أسرى}، واستبعده الشيخُ، ووجهُ الاستبعادِ: أن المعطوفَ على الصلةِ صلةٌ، فيؤدِّي التقديرُ إلى ضرورةِ التركيبِ: سُبْحان الذي أسرى وآتينا، وهو في قوة: الذي آتينا موسى، فيعود الضميرُ على الموصولِ ضميرَ تكلمٍ مِنْ غيرِ مسوِّغ لذلك.
والثالث: أنه معطوفٌ على ما في قوله: {أسرى} من تقدير الخبر كأنه قال: أَسْرَيْنا بعبدِنا، وأًرَيْناه آياتِنا وآتَيْنا، وهو قريبٌ مِنْ تفسيرِ المعنى لا الإِعراب.
قوله: {وجَعْلَناه} يجوز أن يعودَ ضميرُ النصبِ للكتاب، وهو الظاهرُ، وأَنْ يعودَ لموسى عليه السلام.